ديسمبر 22, 2024 10:44 م
تحقيقات وتقارير

كمال حبيب: أدعو الحركات الإسلامية إلى ممارسة النقد الذاتي

قال الدكتور كمال حبيب، المتخصص في العلوم السياسية وعلم الاجتماع الديني، إن حركة الإحياء الإسلامي كان لها ما يبررها، وبلغت أقصى مداها، وعليها أن تدخل في مرحلة مراجعة لمسيرتها وأفكارها.

وأشار في محاضرته “الإحياء الإسلامي المصري في نصف قرن”، بـ”صالون عبد الحميد إبراهيم الزمبيلي”، إلى أن تقاليد النقد الذاتي لم تترسخ داخل الحركة الإسلامية، ولم تهتم بتراث النهضويين أمثال الطهطهاوي وخير الدين التونسي، ولا بتراث الأفغاني ومحمد عبده، ولا بتراث المدرسة الفقهية المصرية مثل محمود شلتوت ومحمد أبو زهرة.

وأضاف: حركة الإحياء الإسلامي المصري، في السبعينيات، ضمت طيفًا واسعًا جدًا، وبدأت كممارسة فطرية ثم دخلت عليها التنظيمات وتفرقت إلى اتجاهات كثيرة، ولم تُترك كقوة اجتماعية للأمة، وفاجأت المراقبين والمحللين ممن كانوا يظنون أن البديل محصور في الحركات اليسارية، كما حدث في الثورة الإيرانية التي مثلت مفاجأة لهم.

وأشار إلى أن هزيمة المشروع القومي والعلماني بعد 67، طرحت ضرورة اتخاذ الإسلام كمرجعية في التغيير، واعتبار الدين مرجعًا واستلهامًا لتغيير المجتمع، ويمكن أن يكون بديلاً بعد الهزيمة. فظهرت حركات ذات طابع دعوي ووعظي، وطاقات عبّرت عن نفسها بشكل فردي، وكانت أمشاجًا مختلطة دون خطة، من شباب صغير السن وقليل الخبرة.. ثم بدأت هذه الحركات تأخذ الطابع السياسي، وتنادي بتحكيم الشريعة وجَعْلِها مردًا للقضاء والحكم في واقع الناس.

وبيّن كمال حبيب أن الحركات الإسلامية ارتكبت خطأ حين حصرت نفسها في كتب معينة ودون معرفة السياقات التي أُلفت فيها؛ فاهتمت بتراث ابن تيمية وابن كثير وابن القيم، وبكتب المودودي وسيد قطب، دون معرفة الفرق الاجتماعي بين ما تقرأه وما تعيشه، بل انطلقت من فكرةٍ مقاطِعة، مستعلية على ما هو قائم وموجود، ولم تفكر في أن تحدث تواصلاً مع ما هو موجود من قبل، حتى وقعت فيما يسميه “الأيديولوجيا الفاتنة”.

وأوضح أن التنظير للنظام السياسي المعاصر من خلال كتب السياسة الشرعية القديمة، يؤدي للمشكلات لأنه يغفل الفروق الاجتماعية، وأن كتب المودودي وقطب تضخ الحماسة في الفاعل الاجتماعي ولا تعطيه طريقة للتعبير عن ذلك.

وذكر أن هذه الحركات وقعت في عدة أخطاء شكّلت فرصة ضائعة على مصر، ومنها فكرة التكفير، وفكرة مقاتلة الدولة، والتركيز على جانب العقيدة الذي تضخم جدًا، حتى أصبح الفقه يُنظر إليه من منظور عقدي، وليس من منظور اجتهادي يقوم على اختلاف الآراء وتعدد المدارس.

وأضاف: الحاكمية نعم لله، لكن كيف ننقلها للفعل الاجتماعي المؤسسي؟ واتخاذُ الإسلام كمرجعية عامة لا يتناقض معه أن تكون الأمة ممارِسة للفعل السياسي؛ فحاكمية الله هي الإطار المرجعي للسياسة.

وتابع: أنا ممن يدعون إلى النقد الذاتي، ويجب أن نفرق بين الإسلام وبين الحركات الإسلامية، ولا نعتبر كل نقد لها يمثل نقدًا للإسلام ذاته. والحركات الإسلامية كأي ظاهرة هي جزء من الحركة الاجتماعية.

وانتهى كمال حبيب إلى أن حركة الإحياء التي ظهرت في السبعينيات بلغت اكتمالها، وعليها أن تراجع نفسها. وهذه الحركات موجودة لأن حس المجتمع العربي حس ديني، وأي تأسيس لفعل اجتماعي ينبغي أن يكون الدين جزءًا منه.

وبيّن أن السؤال المهم هو، كيف تستطيع أن تتعامل مع أسئلة الواقع؟ وأجاب بالقول: يكون ذلك بإدراك الفروق الاجتماعية، وبممارسة الاجتهاد بشرطين: الأول أن يكون اجتهادًا للأمة وليس في مواجهتها والاستعلاء عليها وتصفير التاريخ، بالحديث عن الجاهلية والعزلة الشعورية وإيجاد مجتمعات موازية. والثاني أن يكون الاجتهاد شائعًا، وليس لفئة أو طائفة أو جماعة.

وفي تعقيبه، أوضح الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم بالقاهرة، أهمية ربط العلوم السياسية بالعلوم الاجتماعية، والاهتمام بتنزيل الأفكار على المجتمع. مشيرًا إلى أن هذا الأمر ميّز أفلاطون عن أرسطو الذي كانت أفكاره مجردة.

وأبدى الشرقاوي تحفظه على كلمة “الإحياء” كما جاءت بعنوان المحاضرة، قائلاً: المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى الإحياء، بعد أن دخلت منذ عهد المماليك فيما يشبه الموات، لكن النظر للإحياء بهذه الجماعات، يُوقعنا في التباس شديد.

وأضاف: هذه الحركات وقعت في خلل كبير، بعدم تحديدهم الدقيق لمصطلح الإيمان، ومفهوم وحكم مرتكب الكبيرة، ومصطلح الكفر؛ فالإيمان اعتقاد وتصديق، ومنه الجانب النظري الباطن (آمَنَ به)، والجانب العملي السلوكي (آمَنَ له).. والكفر مستويات، بعضها فوق بعضه، وعلينا أن نفرق بينها دون تعميم؛ فهناك كفر دون كفر، حتى قال العلماء هناك كفر لا يُخرج من الملة.

وذكر الدكتور محمد الشرقاوي أن ابن تيمية مجتهد وعالم كبير، وأحد قادة وزعماء الفكر الإنساني كله، وحركة الإصلاح المنهجي التي حدثت في أوروبا في القرن السادس عشر استلهمت فكره استلهامًا كبيرًا.. لكنه إنسان يصيب ويخطئ، يرضى ويغضب، وتأثر بالواقع الاجتماعي من حوله. ومَنْ قرأوه في هذه الحركات، وفي بلاد عربية، لم يفهموه واجتزأوا أفكاره من سياقها الفكري والواقعي.

من جانبه، أوضح الدكتور حسام الزمبيلي، رئيس الصالون، أن التغيير عملية تعرفها المجتمعات الإنسانية بمختلف مرجعياتها، وأن المجتمعات الغربية بدأت تنظر للأفكار والأيديولوجيات من منظور فكري وليس عقديًا، حتى تأسَّس عندها علم التغيير.

وأشار إلى أن التغيير له ثلاث خطوات؛ فك التجمد للوضع الموجود، وهو له آلياته بحيث تقبل العقول فكرة التغيير؛ إضافة إلى الحركة للنقطة المراد الانتقال إليها، ثم وضع الضوابط لعدم الرجوع للنقطة المنتقَل عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى