أعلنت كثير من وسائل الإعلام والصحافة المختلفة عن استقبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ يوم الاثنين الماضي ( أول أمس 7 يوليو 2025) في القدس وفدا من الأئمة والقيادات الإسلامية الأوروبية، من عدة دول أوروبية برئاسة الإمام الفرنسي حسن شلغومي ، تونسي الجنسية.
وهي الزيارةٌ التي رحبت بها إسرائيل. زار الوفد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ. وكان السيد شلغومي (أمام مقاطعة سين سان دوني) قد شارك في عدة مظاهرات تندد بالهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومعاداة السامية.
نظمت الرحلة من قِبل شبكة القيادة الأوروبية (ELNET)، وهي منظمة تعرف نفسها بأنها “مستقلة غير حكومية و”مكرسة ” تعمل على تعزيز العلاقات بين أوروبا وإسرائيل. تأسست عام 2007 ، وهي جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل تساعد الشركاء الأوروبيين والجهات المؤيدة لها ، في مواجهة الانتقادات الموجهة لإسرائيل في أوروبا.
كما نظمت هذه المنظمة مسيرة في باريس في مارس/آذار الماضي شارك فيها 2000 شخص بعنوان “من أجل الجمهورية، فرنسا ضد الإسلاموية”، جمعت شخصيات من اليمين واليمين المتطرف.
ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، ضم الوفد أئمة من فرنسا و بلجيكا وهولندا والمملكة المتحدة وإيطاليا.
وقد اختارت بعض الصحف عنوان لتلك الزيارة يحمل عنوان “يختار البعض التصرف بشكل مختلف”.
حيث وحسب ما جاء في وسائل الإعلام والصحافة أن الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قد سارع إلى الإشادة الكبيرة بـ”شجاعة” هذه الزيارة في مقطع فيديو نشر على حسابه في موقع “إكس”: “نحن جميعاً أبناء إبراهيم ، و نواجه قوى راديكالية تسعى إلى عرقلة هذا التقدم (…) ومن خلال زيارتكم وتحرككم الشجاع، فإنكم تجسدون غالبية أولئك في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم الذين يتطلعون إلى حياة مشتركة”، و أضاف الرئيس الإسرائيلي أنه “في ظل هذه الأوقات الصعبة من التوتر بين اليهود والمسلمين، اختار البعض التصرف بشكل مختلف”.
وبمناسبة هذا الموضوع الهام ، وبعد البحث والتمحيص ، فقد استمعت إلي قداسه البابا تواضروس ، في حديث تلفزيوني في مصر مع المخضرمة السيدة / درية شرف الدين ، وبسؤاله عن رأيه في الدعوة إلي الديانة الإبراهيمية ، قال إنها مرفوضة تمام ، والذين يقفون وراء تلك الفكرة ، هو من ينظرون إلي الأديان بأنها مثل الألوان ، للفرد حرية الإختيار للون الذي بفضله ، وعدم النظر أن الدين معتقد ايماني راسخ في القلب والصدر والوجدان.
وحول هذا الموضوع القديم الحديث ، والذي يظهر ويختفي بين الحين والآخر فقد سبق أعلنت عدة مؤسسات دينيه اسلاميه كبري انتقاد الاصوات والأفكار الداعمة والمروجه لجمع الأديان الإبراهيمية السماء الثلاث تحت مظلة واحدة تحمل اسم الديانة الإبراهيمية ، يأت علي رأسها مشيخة الأزهر في القاهرة «رفضها القطعي لدعاوى (الديانة الإبراهيمية)». وأكدت دعمها لـ«التعاون» والتقارب والحوار بين الأديان وليس دمجها. وأصدر «مجمع البحوث الإسلامية» بالأزهر بياناً، في السابق ، جاء فيه إلى ما يثار من دعاوى حول تكوين كيان عقدي يجمع الديانات السماوية الثلاث في دين واحد تحت اسم «الديانة الإبراهيمية»، وما يرتبط به من بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، فقد تم سرد بعض نقاط الاعتراض علي تلك الدعاوي جاءت على النحو التالي:-
1- نظراً لما تنطوي عليه تلك الدعاوى من خطر على الدين والدنيا معاً، فإن «اختلاف الناس في معتقداتهم وتوجهاتهم سنة كونية و فطرة طبيعية فطر الله الناس عليها، وأنه لو شاء أن يخلقهم على شاكلة واحدة، أو لسان واحد، أو عقيدة واحدة، لخلقهم على هذا النحو، لكنه أراد ذلك الاختلاف ليكون أساساً لحريتهم في اختيار عقيدتهم».
2- إن «حرية اختيار المعتقد، لا تمنع التواصل الإنساني مع أتباع الديانات الأخرى والتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان؛ لأنهم أهل كتب سماوية، والتعامل معهم على أساس العدل والاحترام المتبادل مما يدعو إليه الإسلام وكافة الديانات و المعتقدات الدينية الأخرى ، فلا يجوز الخلط بين احترام عقائد الآخرين والإيمان بها ، لأن ذلك الخلط سيؤدي إلى (إفساد الأديان) والتعدي على أثمن قيمة كفلها الله للإنسان، وهي حرية المعتقد، والتكامل الإنساني فيما بين البشر».
3- أيضاً إلى أن «الدعوة التي تطارد مسامع الناس (اليوم) بما يقال عن وحدة الأديان أو ما يسمى (الديانة الإبراهيمية)، قد سبق أن أثيرت من قبل، وحسم أمرها ، و رفضها ينبع أساسا، في أنها لا تتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية ولا مع فروعه ، ولا مع طبيعة الخلق و فطرتهم التي تقوم على الاختلاف في اللون والعرق وحرية العقيدة، كما أنها تخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما اتفق عليه إجماع علماء كل دين من الأديان، وكل ملة من الملل».
4- وأكد «الأزهر» أنه «يرفض رفضاً قاطعاً مثل هذه الدعاوى». ويؤكد أن «هذا الرفض لا يتعارض مع التعاون في المشتركات بين الأديان لتقديم العون والمساعدة للناس وتخفيف آلامهم وأحزانهم». وتابع أنه «على هؤلاء الداعين لمثل هذا التوجه أن يبحثوا عن طريق آخر يحققون به مصالحهم، وينفذون به أجنداتهم بعيداً عن قدسية أديان السماء وحرية الاختيار المرتبطة بها، وأن يتركوا الدين لله ويذهبوا بأغراضهم حيث يريدون، فإن الله لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية، أو أداة للانحرافات السلوكية والأخلاقية».
5- واخيرا فقد شدد «الأزهر» علي أن «انفتاحه على المؤسسات الدينية داخل مصر وخارجها، إنما هو انفتاح غايته البحث عن المشتركات الإنسانية بين الأديان السماوية والتعلق بها لانتشال الإنسانية من أزماتها المعاصرة و(نزاعاتها الدنيوية المتناحرة)».
التعليق:-
أولا : يتضح أن الدعوي إلي إدماج الأديان السماوية الثلاث في معتقد واحد ، هي فكرة ودعوة مرفوضة من جانب العقيدة والإيمان .
ولكنه مقبول ومرحباً به من جانب الإنساني ، حتمية التعاون والتواصل والاندماج في مناحي الحياة المختلفة والمتنوعة ، فهناك الكثير من النقاط والمساحات المشتركة بين الأديان السماوية الثلاث ، وأن هذا المفهوم الذي أكده ودعي له البابا الراحل فرانسيس خلال زيارة إلى مدينة ” أرو” العراقية ، حملت عنوان ” الإخوة الإبراهيمية” منذ عدة سنوات ، و سبقة في ذلك أسلافه ، البابا يوحنا ، والبابا بندكيس ، و كذلك منذ أن أصدر الفاتيكان وثيقة «نوسترا إيتاتي Nostra Aetate» في عام 1965، نقل علاقات المسيحية مع الإسلام واليهودية من السلبية والإنكار إلى الإيجابية والاعتراف ، وهو ما يدور في فلك الإطار الذي رسمته «وثيقة الأخوة الإنسانية» الموقعة في أبوظبي بين البابا والإمام الأكبر للأزهر الشريف الشيخ أحمد الطيب.
ثانياً : بالرجوع إلى ذاكرة التاريخ ، سوف نجد أنه للأسف التناحر والصراع بين أبناء الأديان الثلاث كان له نصيب كبير ، وهو الأمر الذي لا يتوافق أو يستقيم مع التعاليم و المعتقدات التي أتت به من سماحة ومحبة وأخوة وتعاون ، فقد عرفنا صراع واضطهاد اليهود للمسيحية في بادئ الأمر ثم رأينا
الحروب الصليبية لغرو بلاد الشرق ، ثم وكما نري اليوم الصراع اليهودي والعرب وقضية فلسطين.
ثالثاً : وكما نري جميعا تصاعد اليمين المتطرف المتشدد ، ونعره العصبية البغيضة ، تزداد يوم بعد يوم ، وان ما نراه علي شاشات التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي ، من قتل وتشريد وخطف وتجويع وحصار وعدم الأمن والسلم ، يزيد الطين بله ، و يورث الحقد والانتقام بين الناس في الحاضر وللاجيال القادمة مستقبلا.
لذا، يجب العمل على التواصل والمحافظة على الحوار الصادق البناء بين الجميع ، ويجب إعادة إحياء موتمر حوار الأديان من جديد ، وأتذكر جيداً حوارات ومناقشة العالم المفكر الإسلامي الراحل رشدي فكار ، الممثل السابق للعالم الإسلامي في حوار الأديان ، والذي كان دائما حريصا علي البحث عن الأرض المشتركة بين الجميع بعيدا عن نقاط الخلاف والتصادم ، عملا لقول الله تعالى ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ” صدق الله العظيم.