بوتين يرى في حرب إسرائيل مع «حماس» إيجابيات سياسية واقتصادية لصالحه… (تحليل)
انتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثلاثة أيام قبل أن يصدر عنه أي تعليق على هجوم حركة «حماس» على إسرائيل الذي وقع يوم عيد ميلاد الرئيس الروسي الحادي والسبعين، وعندما صدر عنه تعليق، ألقى بالمسؤولية فيما حدث على الولايات المتحدة وليس على «حماس».
وقال بوتين وقتها لرئيس الوزراء العراقي: «أعتقد أن كثيرين سيتفقون معي على أن هذا مثال واضح على السياسة الفاشلة التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتي حاولت احتكار عملية التسوية».
ومرت ستة أيام أخرى قبل أن يتحدث بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليقدم تعازيه في مقتل نحو 1200 إسرائيلي. وبعد ذلك بعشرة أيام، قالت روسيا إن وفدا من «حماس» موجود في موسكو لإجراء محادثات.
يقول خبراء في السياسة في روسيا والغرب إن بوتين يحاول استغلال حرب إسرائيل ضد «حماس» كفرصة لتصعيد ما وصفها بأنها معركة وجودية مع الغرب من أجل فرض نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الأميركية لصالح نظام متعدد الأطراف يعتقد أنه يتشكل بالفعل، وفقا لوكالة «رويترز» للأنباء.
وكتب سيرغي ماركوف المستشار السابق في الكرملين في مدونته موضحا موقف بوتين وحاجته ليميز نفسه على الساحة: «تدرك روسيا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان إسرائيل بشكل كامل، لكنهما يجسدان الشر الآن ولا يمكن أن يكونا على حق بأي شكل من الأشكال».
وأضاف: «لذلك، لن تكون روسيا في نفس المعسكر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. الحليف الرئيسي لإسرائيل هو الولايات المتحدة، العدو الرئيسي لروسيا في الوقت الحالي. وحليفة (حماس) هي إيران، حليفة روسيا».
وتتمتع روسيا بعلاقات تزداد قربا مع إيران، التي تدعم «حماس»، وتتهمها الولايات المتحدة بتزويد روسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في حربها بأوكرانيا التي تخوض حرب استنزاف طاحنة مع روسيا.
عبرت هانا نوت خبيرة السياسة الخارجية الروسية المقيمة في برلين لمركز كارنيغي روسيا وأوراسيا عن اعتقادها أن موسكو تخلت عن موقفها السابق الأكثر توازنا بشأن الشرق الأوسط وتبنت «موقفا صريحا مؤيدا للفلسطينيين».
وقالت: «تدرك روسيا جيدا أن بقيامها بكل هذا فهي تنحاز إلى جهات ودوائر في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحتى خارجه في جنوب العالم في وجهات نظرهم المتعلقة بالمسألة الفلسطينية وحيث تستمر القضية الفلسطينية حاضرة بقوة».
وهذه الجهات والدوائر هي تحديدا التي يسعى بوتين إلى كسبها في سعيه نحو تشكيل نظام عالمي جديد من شأنه أن يضعف نفوذ الولايات المتحدة.
وأضافت نوت: «أهم طريقة ستستفيد منها روسيا في أزمة غزة هي تسجيل نقاط في محكمة الرأي العام العالمي».
وقارن ساسة روس بين ما يقولون إنه التفويض المطلق الذي منحته واشنطن لإسرائيل لقصف قطاع غزة ورد واشنطن العقابي على الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا وتقول إنها لا تستهدف المدنيين عمدا رغم مقتل آلاف المدنيين.
وقال السيناتور أليكسي بوشكوف إن الغرب وقع في فخ من صنعه حين كشف عن المعايير المزدوجة التي يتعامل بها مع الدول المختلفة بناء على تفضيلات سياسية مبنية على مصالح ذاتية.
وكتب بوشكوف على تطبيق «تلغرام»: «دعم الولايات المتحدة والغرب المطلق لتصرفات إسرائيل وجه ضربة قوية للسياسة الخارجية الغربية في نظر العالم العربي وجنوب العالم بأكمله».
وذكر ماركوف مستشار الكرملين أن روسيا تعد أزمة غزة فرصة لتعزز نفوذها في الشرق الأوسط من خلال تصوير نفسها صانع سلام محتملاً له علاقات مع جميع الأطراف.
وعرضت موسكو استضافة اجتماع إقليمي لوزراء الخارجية، وقال بوتين إن روسيا في وضع جيد يمكنها من المساعدة.
وأضاف بوتين لقناة تلفزيونية عربية في أكتوبر (تشرين الأول): «لدينا علاقات مستقرة جدا وعملية مع إسرائيل، ولدينا علاقات ودية مع فلسطين منذ عقود، وأصدقاؤنا يعرفون ذلك. ويمكن لروسيا، من وجهة نظري، أن تقدم أيضا مساهمتها الخاصة في عملية التسوية».
وقال ماركوف إن هناك فوائد اقتصادية محتملة أيضا بالإضافة إلى ميزة سحب الغرب الموارد المالية والعسكرية من أوكرانيا.
وأوضح قائلا: «روسيا ستستفيد من زيادة أسعار النفط التي ستنجم عن هذه الحرب… (و) ستستفيد روسيا من أي صراع ستخصص له الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي موارد لأن ذلك يقلل من الموارد المخصصة للنظام المناهض لروسيا في أوكرانيا».
وعبر أليكس جابويف مدير مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا عن اعتقاده بأن موسكو عدلت سياستها في الشرق الأوسط بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال: «تفسيري لذلك هو أن الحرب أصبحت المبدأ المنظم للسياسة الخارجية الروسية و(بسبب) العلاقات مع إيران، التي تأتي بمسألة العتاد العسكري إلى المعادلة. فعلى سبيل المثال، يحظى الجهد الحربي الروسي المحوري بأهمية أكبر من العلاقات مع إسرائيل».
وتضررت علاقات روسيا مع إسرائيل التي كانت في العادة وثيقة وعملية.
وأثار استقبال موسكو لوفد من «حماس» بعد أقل من أسبوعين من هجوم السابع من أكتوبر غضب إسرائيل ما دفعها إلى استدعاء السفير الروسي أناتولي فيكتوروف لأنه بعث «برسالة تضفي الشرعية على الإرهاب».
وكان الاستياء متبادلا. فاستدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي ألكسندر بن تسفي مرتين على الأقل لإجراء محادثات، وتراشق مبعوثا البلدين لدى الأمم المتحدة في حرب كلامية بعد أن شكك ممثل موسكو في نطاق تعريف حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وقال ميخائيل بوجدانوف أحد نواب وزير الخارجية الروسي إن إسرائيل توقفت عن تحذير موسكو بشكل منتظم من ضربات جوية تنفذها داخل سوريا حليفة روسيا.
وعندما عبر وزير إسرائيلي، وهو موقوف عن العمل منذ ذلك الحين، عن قبوله لفكرة توجيه إسرائيل لضربة نووية لقطاع غزة، قالت روسيا إن التصريحات تثير «عددا كبيرا من الأسئلة» وتساءلت عما إذا كانت تشكل اعترافا رسميا من إسرائيل بأنها تمتلك أسلحة نووية.
وقال أمير ويتمان عضو حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو إن إسرائيل ستعاقب روسيا في يوم من الأيام على موقفها.
وذكر ويتمان في مقابلة مع قناة «آر تي» الروسية في أكتوبر: «سننهي هذه الحرب (مع حماس)… وبعد ذلك، ستدفع روسيا الثمن».
وأضاف: «روسيا تدعم أعداء إسرائيل. وبعد ذلك لن ننسى ما تفعلونه. سنأتي وسنتأكد أن أوكرانيا ستنتصر».